
شهدت العاصمة الأمريكية الإثنين يوما سياسيا مزدحما تمحور حول الحرب في أوكرانيا، جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين.
وفي ختام هذه الاجتماعات، أعلن ترامب أنه بدأ الترتيبات لعقد لقاء مباشر بين زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أن يتبعه اجتماع ثلاثي بمشاركته شخصيا، مؤكدا أن بلاده ستلعب دورا أساسيا في منظومة الضمانات الأمنية إلى جانب الحلفاء الأوروبيين.
وجاء هذا الإعلان بعد أن قطع ترامب اجتماعه مع القادة الأوروبيين ليجري مكالمة هاتفية مع بوتين استمرت أربعين دقيقة. ووفق الكرملين، أبدى الرئيس الروسي انفتاحه على رفع مستوى المفاوضات مع أوكرانيا، فيما وصف مستشاره يوري أوشاكوف المحادثة بأنها “صريحة وبناءة”، مشيرا إلى إشادة بوتين بـ”الجهود الشخصية” التي يبذلها ترامب لدفع مسار التسوية. ونقل المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن بوتين وافق خلال هذه المحادثة على لقاء زيلينسكي خلال أسبوعين، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها منذ بداية النزاع
وأشاد ميرتس بالرئيس ترامب لإقناعه نظيره الروسي بالموافقة على عقد الاجتماع مع زيلينسكي، مشيرا إلى أن مكان عقد اللقاء لم يحدد بعد.
وقال “لا نعرف ما إذا كان الرئيس الروسي سيتحلى بالشجاعة لحضور مثل هذه القمة، ولذلك فإن هناك حاجة إلى الإقناع”. وأضاف أن ترامب وافق على عقد اجتماع ثلاثي لاحقا حتى تبدأ المفاوضات فعليا، مبرزا أن الرئيس الأمريكي أبدى إعجابه بوحدة الموقف الأوروبي، وأن المحادثات مع الإدارة الأمريكية ستتجه الآن إلى التفاصيل المتعلقة بالضمانات الأمنية. وختم بالقول “من الواضح تماما أن أوروبا بأكملها يجب أن تشارك”، مشيدا بإعلان ترامب استعداد الولايات المتحدة أيضا لتقديم الضمانات.
زيلينسكي: استعداد للحوار وانتظار الضمانات
من جانبه، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أوكرانيا مستعدة للقاء ثنائي مع بوتين “في أي صورة”، موضحا أن مسألة الأراضي المتنازع عليها “ستُترك بيني وبينه”. وأضاف في بيان للرئاسة الأوكرانية أن الحلفاء سيقدمون خلال عشرة أيام قائمة ضمانات أمنية مكتوبة، تشمل حزمة أمريكية بقيمة 90 مليار دولار تتضمن طائرات وأنظمة دفاع جوي، فضلا عن اتفاقات مبدئية على شراء واشنطن طائرات مسيرة أوكرانية.
وفي موازاة ذلك، ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن كييف تعتزم شراء أسلحة بقيمة 100 مليار دولار بتمويل أوروبي. واعتبر زيلينسكي أن هذه الخطوات تمثل “تقدما كبيرا”، مشيدا بإشارة الولايات المتحدة إلى أنها ستكون من بين الدول المنسقة والمشاركة في الضمانات الأمنية، وواصفا اجتماعه مع ترامب بأنه “الأفضل حتى الآن” لما حمله من إشارات أميركية واضحة بالمشاركة المباشرة في أمن بلاده.
موقف حلف شمال الأطلسي من الضمانات
في المقابل، وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته اجتماعات واشنطن بأنها “ناجحة للغاية”، موضحا أنها تناولت الضمانات الأمنية دون التطرق إلى نشر قوات على الأرض.
وأكد روته أن عضوية أوكرانيا في الحلف ليست قيد البحث حاليا، مشيرا إلى أن النقاش يتركز على تقديم ضمانات أمنية لكييف على غرار المادة الخامسة من معاهدة تأسيس الحلف.
وأوضح أن الموقف الرسمي للحلف هو أن هناك مسارا لا رجعة فيه لانضمام أوكرانيا إليه، لكن ما تتم مناقشته الآن هو ضمانات محددة على غرار المادة الخامسة وما قد يترتب عليها من التزامات.
وتكرس المادة الخامسة مبدأ الدفاع الجماعي، إذ يعتبر الهجوم على أي عضو من أعضاء الحلف هجوما على الجميع، ما يعني أن كييف قد تحصل على ضمانة بحجم العضوية نفسها من دون الانضمام رسميا.
ردود أوروبية متباينة
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد أن موضوع الأراضي لم يُطرح على طاولة البيت الأبيض، مشددا على أن الأولوية للضمانات الأمنية وأن أي نقاش حول الحدود يجب أن يتم ثنائيا بين زيلينسكي وبوتين، ثم في القمة الثلاثية مع ترامب. وأضاف أن أحد الشروط الجوهرية لأي اتفاق سلام يتمثل في بناء “جيش أوكراني قوي قادر على ردع أي محاولة غزو جديدة”، داعيا إلى تشديد العقوبات على روسيا في حال فشل المسار التفاوضي.
بدوره، ذهب المستشار الألماني فريدريش ميرتس أبعد من ذلك، حين رفض بشكل قاطع أي مقترحات روسية بخصوص التنازل عن دونباس، معتبرا أن الأمر يعادل “التخلي عن فلوريدا” بالنسبة للولايات المتحدة. أما الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب فشكك في نوايا بوتين قائلا إنه “نادرا ما يكون أهلا للثقة”، محذرا من احتمال أن يحاول استغلال المحادثات لكسب الوقت.
أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فأكدت أن الاتحاد الأوروبي يقف “كحليف وصديق من أجل السلام في أوكرانيا وأوروبا”، مشيرة إلى استمرار العمل على ضمانات أمنية قوية لكييف.
وفي خلفية هذه التطورات، كان زيلينسكي قد وصل إلى واشنطن مؤكدا أن هدفه التوصل إلى “سلام دائم” يحمي بلاده من أي غزو جديد، محذرا في وقت سابق من “مكافأة روسيا على حربها”. أما ترامب فاستبعد بشكل واضح استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم أو انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، لكنه شدد على أن زيلينسكي قادر على إنهاء الحرب “على الفور”.
التعليقات