رياضة: منتخب اليمن للناشئين فرحة تخنقها التساؤلات!

أصبحت الأخبار السعيدة نادرة في “اليمن السعيد”، بسبب الحرب؛ لكن كرة القدم تبرز لتنسي اليمنيين مآسيهم ولو مؤقتا.

منتخب الناشئين اليمني، بمشاركاته الخارجية القوية، ورغم شح الإمكانيات، يهدي جماهيره الفرح ويوحد صفوفهم باستمرار.

أزمات إنسانية متفاقمة وقتال وتناحر سياسي تعصف باليمن منذ سنوات، خاصة منذ اندلاع الحرب في العام 2014.

غير أن مجموعة من الفتيان يلعبون ضمن منتخب اليمن للناشئين تحت 17 عاما، تمكنوا من توحيد اليمنيين، بمختلف توجهاتهم، وراءهم.

تمكن منتخب اليمن للناشئين من التأهل إلى نهائي بطولة غرب آسيا لمنتخبات كرة القدم تحت سن 17 عاماً، التي تستضيفها عُمان، بعد الفوز على نظيره الإماراتي بهدفين نظيفين.

وسجل هدفي منتخب اليمن قائده عادل عباس، في الدقيقتين 54، و87 من زمن المباراة، بعد أن انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي.

ويلاقي منتخب اليمن للناشئين نظيره السعودي في نهائي البطولة، والذي كان قد تجاوز منتخب العراق في مباراة نصف النهائي الأخرى، بهدفين مقابل هدف واحد.

هذه هي المرة الثانية التي يتأهل فيها ناشئو اليمن للنهائي، خلال النسخ الثلاث الأخيرة للبطولة، فقد سبق أن ظفر باللقب في المرة الأولى التي تأهل فيها للنهائي بالنسخة الثامنة في السعودية عام 2021.

ونهائي النسخة الحالية العاشرة من بطولة غرب آسيا التي تستضيفها مدينة صلالة بسلطنة عمان هو إعادة مكررة لنهائي النسخة الثامنة التي استضافتها مدينة الدمام بالسعودية عام 2021، وجمعت المنتخبين اليمني والسعودي.

حينها كان اللقب من نصيب ناشئي اليمن بركلات الترجيح، وهو اللقب الأول والوحيد في تاريخ الكرة اليمنية على الإطلاق.

يذكر أن منتخب اليمن للناشئين حافظ على معظم لاعبي الفريق الذي حقق بطولة غرب آسيا عام 2021، ولم يغب منهم عن المنتخب الحالي سوى 5 لاعبين فقط كانوا قد تجاوزوا السن القانونية للمشاركة في البطولة، والتي تُلزم إشراك لاعبين دون سن 17 عاما.

 

•فرحة أقوى من الخيبة

قبل ذلك، كان هذا الفريق قد خاض، في تايلاند الشهر المنصرم، مع 16 فريقا، منافسات كأس آسيا تحت 17 عاما. نجح المنتخب اليمني في التأهل إلى ربع نهائي البطولة، محتلا وصافة المجموعة الأولى خلف تايلاند وبعد فوزه على ماليزيا ولاوس.

لكنه خسر مباراة ربع النهائي أما نظيره الإيراني. والفوز لم يكن سيؤهله إلى نصف نهائي البطولة فقط، بل وسيحقق حلم التأهل للمرة الثانية إلى نهائيات كأس العالم لهذه الفئة العمرية في إندونيسيا في تشرين الثاني/ نوفمبر.

ورغم أن مواجهة الإيرانيين كانت صعبة، وفارق الإمكانيات، إلا أن المنتخب اليمني قدم أداء كرويا قويا، وتعادل الفريقان سلبا، قبل أن تبتسم ركلات الحظ الترجيحية للفريق الإيراني.

ورغم الخسارة وإضاعة حلم المونديال، فإن الشارع الرياضي اليمني ساند لاعبي المنتخب، وأثنى على عطاءاتهم، ومقارعتهم لكبار القارة الصفراء، رغم فارق الإمكانيات وقلة الاستعداد، خاصة بعد ترك بصمة لن تنسى في البطولة.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يهدي فيها منتخب الناشئين الفرحة للجماهير التواق للفرح، فقد فاز قبل عامين منتخب الناشئين ببطولة غرب آسيا للشباب، وحينها عمت الاحتفالات كل أرجاء اليمن تقريبا.

بل ولقد لقي ذلك الإنجاز الكروي صدى دوليا، حيث انهالت التهاني من مسؤولين أممين ودبلوماسيين غربيين، واعتُبرت تلك الفرحة الشعبية العارمة من قبل مختلف الأطياف بالفوز، مؤشراً إلى إمكانية توحد اليمنيين في القضايا الخلافية الأخرى.

كانت تلك المباريات موضع اهتمام التشيكي ميروسلاف سوكوب، مدرب منتخب اليمن الوطني (الكبار)، الذي حرص على مشاهدة المنافسات في بلده التشيك.

وفي تعليقه، قال سوكوب لـ(DW): “كنت أعرف كيف سيكون رد الفعل إذا فاز هذا المنتخب في مباراته ضد إيران. كان سيعطي دفعة قوية للجميع؛ لكن البطولة كانت تجربة رائعة لمستقبل كرة القدم في هذا البلد، وكان المنتخب في حاجة إلى مثل هذه المباريات الصعبة في ظل نقص المباريات داخل البلاد”.

يذكران أن المنتخب الوطني اليمني، تحت قيادة سوكوب، خرج من النصف النهائي من دائرة المنافسة في بطولة  كأس الخليج العربي لكرة القدم “خليجي 25″،  التي أقيمت مؤخرا بمدينة البصرة العراقية.


•زهور نبتت من مستنقع الحرب

تجدر الإشارة إلى أن ما حققه منتخب اليمن للناشئين، عكس المنتخب الوطني، يعد إنجازا في ظل تنظيم عدد قليل من المباريات خلال السنوات العشر الماضية جراء الوضع السياسي المتأزم والصراع والقتال منذ عام 2014 عندما سيطرت جماعة الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء وأطاحت بالحكومة المعترف بها دوليا. وبعد ذلك تدخلت السعودية وقادت تحالفا إقليميا في محاولة لإعادة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي فيما تفاقم الوضع الإنساني مع استمرار الحرب والقتال.

وكان لهذا الأمر الأثر الكبير على عالم الساحرة المستديرة في اليمن، حيث قال سوكوب: “لا أتذكر آخر مرة لعب فيها المنتخب الوطني على أرضه. الوضع في اليمن بالغ الخطورة. معظم الملاعب دُمرت جراء الهجمات الصاروخية، لذا لا يوجد الكثير يمكن فعله، خاصة وأن اتحاد كرة القدم اليمني ليس ثرياً”.

وعلى وقع ذلك، يتعين على معظم اللاعبين الاعتماد على بطولات إقليمية قصيرة الأمد أو مباريات ودية متفرقة تجرى في الخارج.

وفي هذا السياق، قال اللاعب الدولي السابق محمد سالم الزريقي، مساعد مدرب منتخب الشباب: “لقد توقف الدوري اليمني لكرة القدم منذ 2014 بسبب الوضع الأمني، وذلك أثر في مستوى اللاعبين والأندية والمدربين”.

ورغم عدم تنظيم مباريات محلية عدة إلا أن الاتحاد اليمني لكرة القدم يعمل بشق الأنفس للمساعدة في بقاء المنتخبات على قيد الحياة، فيما طور المدربون أسلوبا جديدا يتماشى مع الوضع الراهن. نظم الاتحاد بطولة دوري من تجمعين، أحدهما في صنعاء، والآخر في سيئون – حضرموت شرق البلاد.

وتحمل الساحرة المستديرة أسبابا للتفاؤل؛ فرغم قلة المباريات والمنافسات المحلية، إلا أن فريق الناشئين تحت سن 17 عاما أظهر قدرته على منافسة المنتخبات الآسيوية. ويقول سوكوب: “يثبت ذلك صحة المعايير الفنية الأساسية. وفي حالة تحسن البيئة، يمكن أن يصبح اليمن منافسا قويا في آسيا”.

وأكد الزريقي من جانبه أن استمرار العمل بهدنة وقف إطلاق النار، السارية منذ العام الماضي، يعد شرطا مسبقا لتحسن عالم كرة القدم، مضيفا: “بالطبع سيساعد هذا على عودة كرة القدم”.

وأعلن اتحاد كرة القدم اليمني عن تنظيم دوري محلي في وقت لاحق من الشهر الجاري رغم عدم الانتهاء من تحديد الشكل والجدول الزمني والملاعب.

ويأمل الرياضيون نجاح الدوري؛ لأنه سيساعد اللاعبين على المنافسة بشكل جيد، كما سيساعد المدربين في اختيار أفضل لاعبي المنتخبات.

 

•قائمة طويلة.. ومعاناة أطول

في الأخير فإن فرحة اليمنيين بفريقهم الناشئ تخنقها تساؤلاتهم عن مصير لاعبي “منتخب الأمل”، الذي تأهل إلى نهائيات كأس العالم في فنلندا عام 2003، بقيادة المدرب المحلي أمين السنيني، ومساعده علي العبيدي.

كان ذلك الفريق قد حقق وصافة بطولة آسيا، كما قارع منتخبات بحجم البرتغال والكاميرون والبرازيل في المونديال…

غير أن لاعبي ذلك المنتخب -للأسف- ذهبوا في شوارع الضياع دون أن نستفيد منهم، ومما وصلوا إليه.

فوسام علوي -مثلا- طُلب منه مواصلة اللعب رغم إصابته الشديدة، وكانت تلك غلطة كبيرة قضت على مستقبله الكروي.

إبراهيــم حسن عانى كونه من طبقة المهمشين، وعمل فترة في بيع البطاط واشتغل في “مقشامة النونو” جوار دار الرئاسة، وأخيرا ذهب إلى مدينة صبيا بجيزان للاغتراب.

عوض البيحاني أيضا يعمل حاليا حمّال بضائع في صنعاء. جمال العولقي يعيل أسرته في أبين من بيع القات. عبود الصافي يعاني من التهابات المريء وهو الآن في مصر للعلاج. طارق الحيدري تعب من الركض خلف وظيفة وغادر منذ 5 سنوات للاغتراب في الولايات المتحدة. عبده الإدريسـي يعول أسرته المكونة من سبعة أفراد بالعمل سمسار عقارات.

والقائمة طويلة، والمعاناة أطول!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *