رياضة: صفقات بالمليارات، كيف يغير المال السعودي “موازين” الرياضة عالميا؟

أصبح اهتمام السعودية بالرياضة واضحا خلال السنوات الأخيرة، تجلى ذلك في عقد صفقات ضخمة في رياضات مختلفة بينها كرة القدم ورياضة الغولف.

كان آخرها الصفقة المفاجئة التي أبرمت بين أكبر كيانين في لعبة الغولف مع صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية – الذي يمول دوري “ليف غولف” المنافس.

وقبل أيام وقعت رابطة لاعبي الغولف المحترفين والجولة الأوروبية المعروفة باسم “دي بي وورلد تور”، اتفاقا مع الصندوق السعودي الذي يمول دوري “ليف غولف”.

وينهي الاتفاق نزاعا قانونيا بين دوري “ليف” ورابطة لاعبي الغولف المحترفين.

كما استحوذ صندوق سيادي سعودي – صندوق الاستثمارات العامة – على نادي الدوري الإنجليزي الممتاز “نيوكاسل يونايتد”، وأغرى كريستيانو رونالدو باللعب في الدوري المحلي للبلاد.

في غضون ساعات من الإعلان عن توقيع الاتفاق بين رابطة لاعبي الغولف المحترفين وصندوق الاستثمارات السعودي، جاء التأكيد على أن لاعبا أسطوريا آخر – حامل الكرة الذهبية – كريم بنزيمة سينضم إلى كريستيانو رونالدو في دوري المحترفين السعودي.

واستحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي للتو على أربعة من الأندية الكبرى في البلاد، مع توقع جولة جديدة من الإنفاق الآن.

في إحدى المراحل، كانت هناك تكهنات بأنه حتى أعظم لاعب في جيله – ليونيل ميسي – يمكن أن ينتهي به الأمر بالانضمام إلى الدوري السعودي. لكن البرغوث الأرجنتيني اختار إنتر ميامي الأمريكي في نهاية المطاف.

وتتزايد التوقعات بأن هذه الصفقات كلها مصممة لتمهيد الطريق أمام محاولة سعودية لاستضافة كأس العالم 2030، بقطع النظر عن الجدل الذي يمكن أن يحدثه ذلك.

بالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان، فإن هذا يعزز ببساطة اعتقادهم بأن الحكومة السعودية تستخدم الجاذبية العالمية للرياضة، من أجل “الغسيل الرياضي”، وصرف الانتباه عن قضايا السمعة طويلة الأمد، بما في ذلك انتهاكات حقوق المرأة، وتجريم المثلية الجنسية، وتقييد حرية التعبير، واستخدام عقوبة الإعدام، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي، والتدقيق في تورط البلاد في الصراع في اليمن.

يقول فيليكس جاكنز من منظمة العفو الدولية: “قد يبدو هذا مفاجئا لبعض عشاق الغولف، إلا أنه في الحقيقة مجرد دليل إضافي على مسيرة الغسيل الرياضي السعودية المستمرة”.

“إنه مجرد جزء من جهد أوسع لتصبح قوة رياضية كبرى، ومحاولة تشتيت الانتباه عن سجل البلاد الفظيع في مجال حقوق الإنسان”.

ومن بين القضايا الأكثر شهرة في البلاد والتي أثارت انتقادات حقوقية، إعدام 81 شخصا في يوم واحد، وسجن الطالبة السعودية في جامعة ليدز البريطانية، سلمى الشهاب، لمدة 34 عاما بسبب تغريدات اعتبرت منتقدة للدولة.

ترفض السلطات السعودية هذه الادعاءات باعتبارها “زائفة وغير منصفة”، وتصر على أن الاستثمار في الرياضة هو أحد الركائز الأساسية لـ “رؤية 2030” المصممة لتحديث المملكة، والتي تهدف إلى إلهام الناس ليصبحوا أكثر نشاطا، وتعزيز السياحة وتنويع الاقتصاد استعدادا لعالم ما بعد النفط.

يُنظر أيضا إلى الجغرافيا السياسية والمنافسات الإقليمية على أنها عامل رئيسي في الاستثمارات السعودية، إذ تتنافس المملكة مع جيرانها الإمارات العربية المتحدة وقطر لترسيخ مكانتها كعاصمة للرياضة في الخليج.

في العام الماضي، أخبرني ياسر الرميان – محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورئيس كل من نادي نيوكاسل يونايتد وكيان الغولف المدمج الجديد – أنه ليس على دراية بمصطلح “الغسيل الرياضي”، وذلك عندما سألته عما يواجهه من انتقادات في حفل افتتاح دوري “ليف غولف”.

يشير المدافعون عن الاستثمار السعودي في الرياضة إلى التجارة التي تمارسها الدول الغربية مع المملكة، ويسألون لماذا الغولف.. على سبيل المثال، يجب أن يدير ظهره لتمويل غير مسبوق بينما تبيع بعض الحكومات ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة للسعودية.

ويقول آخرون إن الشفافية والتدقيق المصاحبين للرياضة ربما لعبا دورا في بعض الإصلاحات، التي تم إدخالها في السنوات الأخيرة، مشيرين إلى استثمار المملكة في كرة القدم للسيدات.

وأشاد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مؤخرا بـ “التغيير الاجتماعي الأوسع”، الذي ألهمته اللعبة في السعودية. وخلال العقد الماضي، استضافت الصين الأولمبياد، ونُظمت نهائيات كأس العالم المتتالية في روسيا وقطر، لذا فإن السعودية بعيدة كل البعد عن كونها الدولة الوحيدة، التي لديها سجل “غير ناصع في حقوق الإنسان”، والتي تلقى إقبالا عليها من كيانات الرياضة العالمية.

ومع ذلك، ليس هناك شك في أن استعداد الرياضة لاحتضان الاستثمار السعودي يمثل تحديات كبيرة للمسؤولين، فضلا عن الفرص.

لقد أشاد جاي موناهان، رئيس رابطة لاعبي الغولف المحترفين، بالنمو والوحدة التي سيخلقها الاندماج الجديد مع صندوق الاستثمارات السعودي، لكن مصداقيته تخضع الآن للتدقيق بعد أن قالت جماعة مناصرة لضحايا أحداث 11 سبتمبر/ أيلول إن منظمته يجب أن “تخجل من نفاقها وجشعها”.

كان موناهان قد أشار في السابق إلى الهجمات الإرهابية، عندما انتقد اللاعبين لتركهم جولة PGA إلى دوري “ليف” الممول من السعودية. كما واجه دعوات للاستقالة في اجتماع “حاد وساخن” للاعبين، إذ شعر العديد من لاعبي الغولف الذين ظلوا مخلصين لجولة PGA بالإحباط بسبب ما يراه البعض خيانة.

كما تتعرض سلطات كرة القدم لضغوط.

يأتي كل هذا بعد أن أخبر الرئيس التنفيذي للدوري الإنجليزي الممتاز، ريتشارد ماسترز، أعضاء البرلمان مؤخرا أنه لا يستطيع التعليق على ما إذا كان الدوري يعيد فحص موافقته على استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل.

كان هذا بعد أن أثيرت شكوك جديدة حول “تأكيدات ملزمة قانونا” أعطيت للدوري الإنجليزي، تفيد بأن الحكومة السعودية لن يكون لها أي سيطرة على النادي.

في غضون ذلك، اضطرت الفيفا للتخلي عن دعم خطط مؤسسة iVisit Saud لتكون راعية لكأس العالم للسيدات، بعد رد فعل عنيف من أستراليا ونيوزيلندا المضيفتين للبطولة، إلى جانب اللاعبين، بشأن الصفقة المقترحة.

وقال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو إن الانتقادات مشوبة بـ “الكيل بمكيالين”، مشيرا إلى التجارة التي أجرتها أستراليا مع السعودية.

كما واجه مجلس الكريكيت الدولي تساؤلات حول شراكة بملايين الدولارات مع أكبر مصدر للنفط في العالم – شركة الطاقة الحكومية السعودية أرامكو – ما يعزز المخاوف بشأن الروابط الرياضية مع صناعة الوقود الأحفوري.

وقال المجلس إن الصفقة ستساعد الرياضة على أن تصبح أكثر استدامة، لكن نشطاء أصروا على أن اللعبة تستخدم من أجل “الغسيل الأخضر” أو تبييض السمعة باسم البيئة.

على الرغم من هذه المشكلات، يبدو اتجاه السفر في قطاع الرياضة واضحا بشكل متزايد – أي التمويل من دول الشرق الأوسط النفطية.

تم الإعلان عن الحقبة الجديدة في عالم رياضة الغولف، بينما يستعد فريق مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي الممتاز لمحاولة الفوز بدوري أبطال أوروبا ومن ثم تحقيق الثلاثية – بعد فوزه بلقب الدوري الإنجليزي ثم كأس إنجلترا – في ما سيكون تتويجا لمشروع مدته 15 عاما من قبل مالكي النادي في أبو ظبي.

في الوقت نفسه، حاز نادي باريس سان جيرمان المملوك لقطر على لقبه الحادي عشر في الدوري الفرنسي، بينما قام مصرفي قطري بأحدث عرض بمليارات الدولارات لشراء مانشستر يونايتد الإنجليزي.

إن فورة الإنفاق الرياضي في المملكة العربية السعودية هي جزء من اتجاه أوسع. إنها تجعل الكثيرين يتساءلون: ماذا بعد؟

وفي وقت سابق من هذا العام، ورد أن صندوق الاستثمارات السعودي يستكشف عرضا بقيمة 20 مليار دولار لشراء سباق فورمولا 1 بالكامل. وكانت هناك شائعات عن تحركات مماثلة في رياضة التنس.

في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تستضيف السعودية كأس العالم للأندية – وهي المرة الأولى التي تنظم فيها حدثا كبيرا تابعا للفيفا. كما وردت أنباء عن صفقة كبيرة لرعاية دوري السوبر الأفريقي الجديد. وسوف تستضيف خلال السنوات القليلة المقبلة كأس آسيا لكرة القدم، ودورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029.

تعمل موارد البلاد وطموحاتها على تغيير عالم الرياضة بطرق لا يمكن لأحد أن يتخيلها. وسوف تستمر في إجبار أولئك الذين اعتادوا على تولي زمام الأمور على مواجهة أسئلة صعبة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *