انقرة: فوز إردوغان بولاية رئاسية جديدة.. اهتمام عربي واسع ومشاعر متضاربة

حتى مع التحدي الواضح الذي أبدته المعارضة لإردوغان خلال الانتخابات الرئاسية التركية، إلا أن فوز الرئيس التركي بولاية جديدة كان متوقعا بشكل كبير، وإن لم يكن مرحبا به من الجميع في المنطقة.

في المقابل، استبق بعض حلفاء إردوغان، مثل أمير قطر تميم بن حمد، إعلان النتائج الرسمية بتهنئة إردوغان بالفوز.

ويقول محللون وناشطون عرب وأكراد لموقع “الحرة” إن  فوز إردوغان، وإن رحب به كثيرون، إلا أنه سيسهم في استمرار تعقيد ملفات كثيرة في المنطقة، منها الملفان السوري والكردي.

 

لماذا يهتم العرب بما يجري في إنقرة؟

نشر مدونون عرب فيديوهات لتجمعات حاشدة في القدس احتفالا بفوز إردوغان.

 فيما نشر العديد صورا وهم يوزعون الحلويات احتفالا بالفوز.

لكن على الجانب الآخر، هناك كثيرين كانوا يأملون بحدوث تغيير في تركيا، منهم سوريون تحتل تركيا مناطقهم، وكرد يشعرون أن تهديد الجيش التركي يتزايد بوجود إردوغان.

ويقول المحلل العراقي سعيد لفتة إن “تركيا من أكبر بلدان المنطقة، ولها حلفاء في كل مكان، وأي تغيير في سياستها سيغير كثيرا في كل مكان، لهذا فإن بلدان الشرق الأوسط تهتم بمن يقود أنقرة”.

ويضيف لفتة لموقع “الحرة” أن “العراق يتشارك عدة ملفات حساسة مع تركيا، منها ملف المياه الشائك، وملف حزب العمال الكردستاني واقتحام الجيش التركي لأراض عراقية، وأيضا فإن حلفاء تركيا فاعلون في المشهد السياسي العراقي”.

ونشر رئيس تحالف السيادة، خميس الخنجر، تهنئة حارة “للشعب التركي الصديق” و”للأخ” رجب طيب إردوغان.

ويعرف الخنجر، وهو سياسي عراقي فاعل، بعلاقاته الممتازة مع الحكومة التركية، كما إنه يمتلك قناة تلفزيونية تبث من إسطنبول.

 

الكرد وتركيا

يقول الصحفي الكردي العراقي سامان نوح إن العلاقة مع إقليم كردستان لن تتغير بفوز إردوغان خاصة وأن للحزب الديمقراطي الكردستاني “الذي يقود عمليا إقليم كردستان” علاقات جيدة مع إردوغان، وإن كانت العلاقات مع الاتحاد الوطني الكردستاني – الشريك في إدارة الإقليم – متوترة بسبب اتهام تركيا للاتحاد بدعم المقاتلين الكرد في سوريا وتركيا.

ويضيف أن هناك تحديا مرتبطا بـ”الواقع الاقتصادي”، وتحول الصادرات النفطية الكردستانية إلى سيطرة الحكومة الاتحادية.

ويقول إن هذا ربما سيغير حجم اهتمام أنقرة بالإقليم.

ويشترك إقليم كردستان مع تركيا بمئات الكيلومترات من الحدود، وهي غالبا مناطق جبلية يستوطنها مسلحون أكراد من حزب العمال الكردستاني المسجل على قائمة الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة.

وتسبب تعقيد علاقات المقاتلين الأكراد مع إقليم كردستان، والحرب المستمرة التي يخوضها الجيش التركي ضدهم، بمشاكل كبيرة لأربيل التي نددت مرارا بقصف الجيش التركي للقرى الكردية الحدودية، كما نددت أيضا بوجود حزب العمال واشتبكت قواتها مع مقاتليه.

وفيما كان منافس إردوغان، كمال كليتشدار أوغلو، يتمتع بعلاقات ممتازة مع الأحزاب الكردية التركية، أهلته للمنافسة بقوة في الانتخابات، فإن إردوغان روّج لموقف أكثر تشددا ضد الأكراد يبدو إنه يتوافق مع أجندة أكثر من نصف المصوتين في الانتخابات.

وجدد إردوغان بعد فوزه تعهده بـ”مواجهة المجموعات الإرهابية”.

يقول نوح إن إردوغان يشن منذ 2014 حملات عسكرية ضد حزب العمال، وإن فوزه ربما سيحمل مزيدا من التعقيد للملف الكردي خاصة وأن “الخطاب القومي التركي المتطرف عاد بقوة إلى الواجهة” حديثا.

ويتابع نوح إن “الكرد سيستمرون بدفع الثمن الهائل لهذا الصراع”، وتوقع زيادة وتيرة المعارك والاعتقالات في صفوف الكرد الأتراك وزيادة “التضييق على الكرد” الذين “سيعيشون سنوات عصيبة مقبلة”، تحت حكم إردوغان.

وفي تصريح لموقع “الحرة”، يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن إن الكرد في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا متخوفون من شن إردوغان حملات عسكرية جديدة في مناطقهم بعد فوزه في الانتخابات مع “وعود إردوغان باستهداف المنطقة”.

 

سوريا منقسمة

ويضيف عبد الرحمن أن فوز إردوغان أضاف “قطعا” إلى تعقيد الوضع الإنساني السيئ أصلا في سوريا.

ويضيف أن حلفاء إردوغان في المناطق التي تحتلها تركيا في سوريا، فرحون بالفوز، على اعتبار أنه سيمنحهم مزيدا من الزخم، كما إنه يقول إن مؤيدي النظام السوري فرحون كذلك على اعتبار أن بقاء إردوغان في السلطة يعني مزيدا من الانفتاح التركي على نظام بشار الأسد.

وتلتقي مصالح تركيا ودمشق في ملف مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في مناطق الإدارة الذاتية، رغم أن ملف الأراضي التي تحتلها تركيا في سوريا قد يؤخر التطبيع الكامل للعلاقات.

وفي 9 مايو الماضي استضافت موسكو، حليفة الأسد، اجتماعا وصف بأنه “اجتماع التطبيع” بين وزراء خارجيتي أنقرة ودمشق.

وكان هذا الاجتماع الأول بين وزيري خارجية البلدين منذ اندلاع الأزمة السورية، وقال خبراء إنه يندرج ضمن جهود أنقرة لإعادة أكبر عدد ممكن من ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون على أراضيها.

ويضيف عبد الرحمن لموقع “الحرة” إن إردوغان ساهم بقتل كثير من السوريين في مناطق النزاع، وهو يحاول الآن دفع اللاجئين إلى التغيير الديموغرافي في الشمال السوري”.

ويقول المحلل السياسي الأردني خالد شنيكات إن روسيا توسطت بشكل كبير بين الأسد وإردوغان لتحقيق تفاهم بين الرئيسين “خاصة أن روسيا تضغط بقوة من أجل المصالحة”.

وتوقع شنيكات، في حديث لموقع “الحرة” إن من المتوقع أن تمضي تركيا قدما بمشروع المصالحة مع سوريا.

 

مصر

وشهدت العلاقات بين أنقر والقاهرة تطورا كبيرا، بعد حالة عداء استمرت سنوات منذ خلع الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، ومحاكمته مع قيادات تنظيم الإخوان المسلمين الذي يعتبر مقربا لحزب العدالة والتنمية التركي.

وقال الخبير المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، كرم سعيد، لموقع “الحرة” إن هناك مسارين محتملين للعلاقات التركية مع مصر بعد فوز إردوغان.

المسار الأول، بحسب سعيد، يتمثل في تسريع وتيرة التطبيع، خاصة بعد انتقال العلاقات من المستوى الأمني إلى الدبلوماسي، وهذا ما ظهر في مصافحة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لنظيره التركي على هامش مونديال قطر، وما تبع ذلك من زيارات متبادلة بين وزراء خارجية البلدين، آخرها زيارة وزير خارجية تركيا إلى القاهرة، في مارس الماضي.

وأشار الخبير المصري إلى أن هناك العديد من المصالح البراغماتية التي تدفع نحو التقارب المصري التركي، خلال المرحلة المقبلة، والتي لا ترتبط فقط بالمصالح الاقتصادية، وإنما بالتغيرات الاستراتيجية في المنطقة، ومنها ما يحدث في سوريا وليبيا.

وأكد المحلل السياسي أن تركيا قد تعول على دور مصر ليس فقط في تهدئة الخلافات التركية مع دول شرق المتوسط وإنما في ما يخص التطبيع التركي السوري.

أما المسار الثاني، بحسب سعيد، فإنه قد يتضمن “التهدئة في مسألة التطبيع”، واتباع سياسة “خطوة فخطوة” في استعادة العلاقات مع مصر.

 

السعودية

وفي السعودية هنأ الملك وولي عهده إردوغان بالفوز، فيما بدت الأوساط السياسية متفائلة بالولاية الجديدة للرئيس التركي.

ويقول عبد الله الرفاعي، المحلل السياسي السعودي، إن فوز إردوغان “البراغماتي” هو الخيار المناسب في تركيا اليوم بالنسبة للسعودية، وهو ما جعل الرياض تنفتح على الرئيس إردوغان ودعم الاقتصاد التركي في المرحلة الحرجة التي سبقت الانتخابات، ويدرك الرئيس إردوغان أن هذا الدعم كان بمثابة طوق النجاة له.

وقال الرفاعي لموقع “الحرة” إن الرياض تفضل خيار إردوغان وحزبه “سياسيا” على اليسار الليبرالي المنافس.

وأضاف “أظن أن سياسات إردوغان ستكون داعمة وبقوة لمشروع الأمير محمد بن سلمان التنموي في الشرق الأوسط، والذي يرتكز على تصفير المشاكل وتحجيم الأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة”.

 

“إردوغان تراجع”

وقال المحلل السياسي الأردني خالد شنيكات إن إردوغان تراجع عن السياسة التي انتهجها أبان فترة الربيع العربي، حيث “أعاد العلاقات مع مصر، و أجرى العديد من التفاهمات معها، وفعل مثل هذا مع الإمارات والسعودية”.

وفي ما يخص إيران، قال شنيكات إن تركيا تمتلك مصالح اقتصادية كبيرة مع طهران، والسؤال المهم الذي يجب أن يطرح الآن هو ما إذا كانت تركيا ستدخل على طرفي العلاقة بين العرب وإيران، حيث أنها “تمتلك نفوذا مع إيران ووجودا اقتصاديا وعسكريا في العراق، وعلاقات مع دول أخرى”.

ووفق شنيكات فإنه “قد تكون من مصلحة تركيا عودة العلاقات العربية مع إيران”.

ويقول شنيكات أيضا إن إردوغان أعاد “ترتيب” العلاقات مع إسرائيل قبل الانتخابات، ربما لتكون هذه العلاقات “مدخلا لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *