حرب غزة: “تم تدمير كل ما هو جميل”: الفلسطينيون ينعون مدينة مدمرة

تحطمت جدرانه وتم تدمير جزء من منارته، ومع ذلك، لا يزال جامع العمري في غزة واقف رغم تدهوره بشكلٍ كبير. حوله، تكمن المدينة القديمة التاريخية في حالة من الخراب. و يعتبر هذا المسجد الذي يعود إلى القرن السابع، والمعروف أيضاً باسم المسجد الكبير في غزة، أشهر مسجد في المدينة ويُعد محيطه نقطة محورية لتاريخ وثقافة القطاع الفلسطيني، ولكن الأضرار التي لحقت بتراثه خلال أكثر من 100 يوم من القصف الإسرائيلي تمتد إلى المدينة.

و بالنسبة للقليل من الفلسطينيين الذين بقوا، والكثيرون الذي تم تشريدهم ويأملون في العودة، فقد تم تحويل الثقافة والتاريخ الذي كان باقياً في المدينة المدمرة إلى ذكريات.

و قال (بدر الزهارنة)، الذي يعيش في مدينة غزة على الرغم من شدة العملية البرية الإسرائيلية في المنطقة: “المدينة أصبحت مدينة أشباح، يتجول الناس بوجوهٍ شاحبة وأرواحٍ متعبة في ظل هذه الحرب. و إذا مشيت في الحي القديم في غزة، كل ما ستجده فقط الذكريات وستشعر  والحزن والسوء من حجم الدمار الذي لحق بالمواقع الثقافية والدينية. فقد أصبحت مدينة غزة القديمة، التي كانت مليئة بالمواقع الثقافية، رمادية ومظلمة. و المشي في غزة وهي بهذه الحالة يجعل المرء يشعر  وكأنه في فيلم، في قصة خيالية المشهد تشبه نهاية العالم.”

و تقول منظمة اليونسكو -الوكالة الأممية المسؤولة عن حماية الثقافة- إنه تم التحقق من الأضرار التي لحقت بما لا يقل عن 22 موقعاً تاريخياً وثقافياً، بما في ذلك المساجد والكنائس والمنازل التاريخية والجامعات والأرشيفات وموقع الميناء الأثري في هرمزون، أول ميناء بحري معروف في غزة.

و أعلنت أنها تلقت تقاريراً عن وجود أضرار في مواقع أخرى، ولكنها لم تتمكن من التحقق منها بواسطة الوسائل المتاحة، والتي تُمثل بشكل رئيسي الصور الفضائية، وذلك بسبب النزاع.

و وفقاً لتقريرٍ حديث صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية حول الأضرار الإسرائيلية في التراث الفلسطيني، فقد أفاد بأن قصف إسرائيل لقطاع غزة دمر 207 مبنى ذات أهمية ثقافية أو تاريخية، بما في ذلك 144 في البلدة القديمة و 25 موقعاً دينياً.

كما تشمل الأضرار أيضاً مقبرة رومانية قديمة ومقبرة حرب الكومنولث، حيث تم دفن أكثر من 3000 جندي بريطاني وعسكري من الكومنولث الذين قُتلوا في المعارك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وقد حذرت اليونسكو من أن المزيد من المواقع معرضة لخطر الأضرار، بما في ذلك أحد أقدم الأديرة المسيحية في المنطقة، مجمع القديس هيلاريون، حيث قالت إنه لم يتعرض للضرر بعد ولكنه في منطقة معارك عنيفة.

و صرًحت المنظمة قلقها بقولها: “تشعر اليونسكو بقلق بالغ إزاء أضرار المواقع الثقافية والتاريخية في غزة. على الرغم من أن الطوارئ الإنسانية هي أولوية مشروعة، إلا أنه يجب أيضاً ضمان حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله، بالإضافة إلى حماية البنية التحتية التعليمية والصحفيين، وذلك وفقاً للقانون الدولي الذي ينص على أن الممتلكات الثقافية تعد بنية تحتية مدنية”.

وقال أيضاً قال (وسام نصار)، مصور صحفي شهد العديد من الحروب في غزة ووثق ثقافتها، إن الأضرار التي لحقت بجامع العمري ومحيطه أثرت عليه شخصياً وذلك بسبب الوقت الذي قضاه هناك، “يحتل هذا المسجد مكانةً خاصة لكل فلسطيني في غزة، حيث كان نقطة تجمع خلال شهر رمضان ومكاناً للعبادة وقراءة القرآن. و بالنسبة لي كمصور، فإن له أهمية خاصة، حيث قمت بتوثيق العديد من اللحظات والذكريات داخل هذا المسجد”.

و قال نصار، الذي يعيش الآن في كندا، إنه يتذكر زيارته للمدينة القديمة، بما في ذلك الحمامات التركية المدمرة الآن، سواء كمصور صحفي أو في حياته الشخصية. وقال إن الأضرار التي لحقت بالمواقع المسيحية، مثل مجمع كنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية، بالقرب من جامع العمري، أيضاً أضرت بتنوع غزة.

و أضاف: “كمصور، سأحمل الحزن طوال حياتي لأن هذه المباني التاريخية صعبة الاستعادة، وفقدانها لا يمكن تعويضه. سأتذكرها في كل لحظة، حيث لدينا آلاف الذكريات داخل هذه الأماكن. ومع ذلك، سيكون الحزن الأكبر عندما أنظر إلى الصور التي التقطتها داخل هذه المواقع الأثرية. و للأسف، قامت إسرائيل بتدمير كل شيء جميل في غزة. ولم تكن إسرائيل تهدف إلى تدمير الأشخاص وحسب ولكن أيضا؟ الحجارة والبنية التحتية والمباني التاريخية، وذلك بهدف القضاء على الحياة الإنسانية والتراث الثقافي.”

و تضمنت قضية جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية في لاهاي التي اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتي أدت إلى طلب المحكمة من إسرائيل منع قواتها من القيام بأعمال قد تصل إلى جريمة إبادة، ادعاءاتٍ بأن إسرائيل استهدفت الثقافة الفلسطينية.

كما اتهمت أيضاً إسرائيل بتدمير المتاحف الحديثة والمراكز الثقافية وتهديد “الإمكانات الثقافية” في غزة من خلال إلحاق الضرر بالمدارس، بالإضافة إلى قتل الصحفيين والمعلمين والمثقفين.

و قال إسبرين صبرين، رئيس منظمة التراث من أجل السلام غير الحكومية، إن الأضرار التي لحقت بتراث غزة ستكون دائمة وتتجاوز المباني المادية. وأكد أن الأضرار التي لحقت بالمواقع الدينية ستؤثر على الحياة الاجتماعية للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وسيستغرق وقتاً طويلاً لإعادة تأهيلها.

وقال صبرين: “تدمير التراث في غزة هو أيضاً تدمير للتقاليد، و تدمير لعاداتهم وثقافتهم”.

و اضاف: “إنه تدمير هائل للتراث بهدف قطع الارتباط بين سكان غزة وأرضهم عن عمد. و من المهم الحفاظ على التراث واستعادته. و عندما تتوقف الحرب، سيكون هناك حاجة لتقييم ما تم تدميره”.