نيودلهي: قمة بين مودي وبوتين لتعزيز التجارة وسط تصاعد الضغوط الغربية على موسكو وشركائها

يعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيودلهي، الجمعة، محادثات قمة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في إطار مساعٍ لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دولة تُعد أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية وأحد كبار مستوردي النفط الروسي المنقول بحرًا.

تأتي الزيارة، وهي الأولى لبوتين إلى الهند منذ أربع سنوات، في ظل تصاعد الضغوط الغربية والعقوبات التي تستهدف موسكو وشركاءها التجاريين.

وتتزامن القمة مع مفاوضات تجريها نيودلهي مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق تجاري يخفّض الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصادرات الهندية، على خلفية توسع مشتريات الهند من النفط الروسي بأسعار مخفضة بعد تقليص الدول الأوروبية اعتمادها على الطاقة الروسية منذ غزو أوكرانيا.

 

ضغوط أمريكية ورسوم جمركية عقابية

تجري هذه الزيارة في سياق توتر متزايد بين الهند والولايات المتحدة، إذ تتهم واشنطن نيودلهي بالمساهمة في تمويل الآلة الحربية الروسية من خلال استمرار شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة، رغم العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.

وفي أغسطس 2025، ضاعفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من الصادرات الهندية لتصل إلى 50 في المئة، مبررة ذلك بإصرار الهند على مواصلة واردات النفط الروسي، وهو ما يعتبره مسؤولون هنود إجراءً يهدد مئات آلاف الوظائف ويقوّض نمو أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.

مع ذلك، أعلن ترامب في تصريحات لاحقة أنه حصل على تعهد من مودي بخفض واردات الخام الروسي تدريجياً، وهي واردات تقدَّر بحوالي 36 في المئة من إجمالي النفط الذي تكرّره الهند، وفق بيانات حديثة عن هيكل وارداتها النفطية.

ويرى محللون، مثل أشوك مالك من “مجموعة آسيا” للدراسات، أن زيارة بوتين الأخيرة تأتي في إطار استراتيجية هندية أوسع لتنويع الشركاء على المستويين الاقتصادي والجيوسياسي، في وقت تتضرر فيه نيودلهي من الرسوم الأمريكية وتبحث عن توازن أدق بين علاقتها التاريخية بروسيا وشراكاتها مع الغرب.

 

نفط رخيص وعالم متعدد الأقطاب

منذ بداية الحرب في أوكرانيا وتقليص أوروبا اعتمادها على النفط الروسي، أصبحت الهند أكبر مشترٍ للخام الروسي المخفض السعر، ما أتاح لها توفير مليارات الدولارات في فاتورة الطاقة، وفي الوقت ذاته منح موسكو سوقاً حيوية لتعويض خسارة أسواقها التقليدية في أوروبا.

لكن تحت وطأة العقوبات المفروضة على شركات روسنفت ولوك أويل وغيرها من الكيانات الروسية، خفّضت نيودلهي في الأشهر الأخيرة جزءاً من وارداتها من النفط الروسي، من دون أن تقطع هذا المصدر الذي تعتبره أساسياً لأمنها الطاقوي.

ورغم الضغوط الغربية، امتنعت الهند حتى الآن عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، وفضّلت الدعوة إلى تسوية سلمية وحوار، مع الحفاظ في الوقت نفسه على قنوات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا. ويُذكّر مراقبون بتصريح مودي في لقاء سابق مع بوتين بأوزبكستان عام 2022، عندما دعا إلى إنهاء الحرب “بأسرع وقت ممكن”، في إشارة مبكرة إلى تمسّك نيودلهي بخطاب يفضل الحوار على المواجهة المباشرة.

 

تسليح روسي وشراكة استراتيجية طويلة الأمد

على الصعيد العسكري، لا تزال روسيا أحد أهم مورّدي السلاح للهند رغم انفتاح الأخيرة على مصادر أخرى مثل فرنسا وسعيها المتزايد لتطوير قاعدة صناعات دفاعية محلية، ضمن شعار “صُنِع في الهند”. وبعد الاشتباكات الحدودية مع باكستان في مايو، عبّرت نيودلهي عن اهتمامها بالحصول على دفعات جديدة من أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة من طراز إس-400، فيما أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن هذا الملف سيكون ضمن أجندة المباحثات. كما تحدثت تقارير في الصحافة الهندية عن اهتمام الجيش الهندي بطائرات سوخوي-57 الروسية، في مؤشر إضافي إلى استمرار الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية الروسية في المدى المنظور.

اقتصادياً، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مستوى قياسي بلغ 68,7 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025، مدفوعاً بالارتفاع الكبير في واردات النفط الروسي، لكن هذا التبادل يميل بشدة لصالح موسكو، ما يدفع الطرفين إلى البحث عن سبل لإعادة التوازن عبر زيادة الصادرات الهندية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة. ويعمل الجانبان على تحقيق هدف طموح يتمثل في رفع حجم التجارة السنوية إلى 100 مليار دولار بحلول 2030، وهو هدف يتطلب، بحسب مسؤولين روس وهنود، تكثيف التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعات الدفاعية المشتركة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *