
تواصل إيران تقييم الأضرار وتشنّ هجومًا سياسيًا بعد الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت مواقعها النووية، وتُبقي الباب مفتوحًا لاحتمال استئناف المحادثات مع واشنطن بشأن برنامجها النووي.
وتضمنت تصريحات المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، اعترافًا آخر بتعرّض مواقع فردو وأصفهان ونطنز — وهي من أبرز المنشآت النووية في البلاد — لـ”أضرار جسيمة” جرّاء الضربات الأميركية، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إرنا” عن مهاجراني خلال إيجاز صحفي للصحفيين.
ويأتي هذا الاعتراف في وقت بدأت فيه القيادة الإيرانية تدريجيًا الإقرار بحجم الأضرار التي لحقت بالبلاد نتيجة الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، والتي دمّرت فيها المقاتلات الإسرائيلية منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ونفذت ضربات جوية بكل حرية داخل أراضي الجمهورية الإسلامية. كما أن ترك طهران الباب مفتوحًا أمام المحادثات مع واشنطن يعكس على الأرجح رغبة في تجنّب المزيد من الأعباء الاقتصادية، خصوصًا مع اقتراب موعد حاسم متعلق بالعقوبات الأممية.
وقالت مهاجراني: “لم يُعلن عن موعد للمحادثات مع الولايات المتحدة، ومن غير المحتمل أن تكون في وقت قريب، لكن لم يُتخذ قرار نهائي في هذا الشأن”.
•ارتفاع حصيلة القتلى التي أعلنتها إيران
بدأت الضربات الجوية الإسرائيلية في 13 يونيو، وأسفرت عن القضاء على الصفوف العليا في الحرس الثوري الإيراني واستهدفت ترسانة البلاد من الصواريخ الباليستية. كما أصابت هذه الضربات مواقع نووية إيرانية، حيث زعمت إسرائيل أن هذه المواقع كانت تضع طهران على بعد خطوة من امتلاك سلاح نووي. وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قدّرتا أن آخر برنامج منظم للأسلحة النووية لدى إيران كان في عام 2003، رغم أن طهران واصلت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60% — وهي خطوة تقنية قصيرة للوصول إلى نسبة 90% المطلوبة لصنع الأسلحة.
ويوم الاثنين، قدّم المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، أصغر جهانغير، حصيلة حكومية جديدة ومرتفعة لعدد القتلى جراء الحرب، إذ قال إن الضربات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 935 “مواطنًا إيرانيًا”، بينهم 38 طفلًا و102 امرأة، بحسب وكالة “إرنا”.
وأضاف جهانغير: “سعى العدو إلى تغيير أوضاع البلاد من خلال اغتيال القادة العسكريين والعلماء، بهدف بث الرعب وممارسة الضغوط”، لكنه شدد — كما فعل آخرون بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 86 عامًا — على أن إيران قد “انتصرت” في الحرب.
وتُعرف إيران بتاريخها الطويل في تقديم أرقام منخفضة للضحايا في أوقات الاضطرابات، لدوافع سياسية. وقدّرت منظمة “نشطاء حقوق الإنسان” ومقرها واشنطن، والتي توثق أرقام الضحايا بدقة خلال جولات القمع في إيران، أن عدد القتلى بلغ 1190 شخصًا، بينهم 436 مدنيًا و435 عنصرًا من القوات الأمنية. كما أصيب 4,475 شخصًا آخرين، وفقًا للمنظمة.
•نشاط في منشأة فردو النووية
وفي الوقت نفسه، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين يقيّمون الأضرار التي سبّبتها الضربات الأميركية في 22 يونيو على المواقع النووية الثلاثة، بما في ذلك موقع فردو — وهو منشأة مبنية تحت جبل على بُعد نحو 100 كيلومتر جنوب غرب طهران.
وأظهرت صور أقمار صناعية التقطتها شركة “بلانيت لابز” وحلّلتها وكالة “أسوشيتد برس” وجود مسؤولين إيرانيين في منشأة فردو يوم الاثنين على الأرجح لفحص الأضرار التي سببتها القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات. وتُظهر الصور وجود شاحنات ورافعة واحدة على الأقل وحفّار عند مداخل الأنفاق في الموقع، وهو ما يتطابق مع صور التُقطت يوم الأحد من قبل شركة “ماكسار تكنولوجيز” وتظهر استمرار العمل في الموقع.
ومن المرجّح أن إيران كانت قد ملأت الأنفاق مسبقًا لحماية المنشأة قبل الضربات. كما أن وجود الشاحنات قبل الضربات أثار تساؤلات حول ما إذا كانت إيران قد قامت بتهريب يورانيوم مخصب أو أجهزة طرد مركزي قبل الهجوم، وهو أمر كرره المسؤولون الإيرانيون في تصريحاتهم. وقبل الضربات، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حذّرت من فقدانها “استمرارية المعرفة” بشأن البرنامج، ما يعني أن مواد قد تكون موجودة في مواقع غير معلنة داخل البلاد.
ولم توضح إيران طبيعة الأعمال الجارية في المواقع، لكنها أعلنت أن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تعتزم إصدار تقرير حول حجم الأضرار الناتجة عن الضربات.
المتشددون يهاجمون فكرة الحوار
وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي ارتفعت مكانته بشكل ملحوظ خلال الحرب، أبقى هو الآخر الباب مفتوحًا أمام احتمال الحوار مع الولايات المتحدة.
لكن التيار المتشدد داخل إيران بدأ يُكثّف من انتقاداته لأي جهود للحوار أو التعاون مع الغرب. وقد سخرت صحيفة “كيهان” المتشددة، والتي يرأس تحريرها حسين شريعتمداري المُعين من قبل خامنئي، من أي احتمال للمحادثات يوم الثلاثاء، قائلة إن “الخيانة والغباء وجهان لعملة واحدة”.
وكانت الصحيفة نفسها قد دعت يوم السبت إلى “محاكمة وإعدام” المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في حال زار إيران — وهو تصريح أثار على الفور ردود فعل غاضبة من دول أوروبية وجهات أخرى.
التعليقات